الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم وأمده بالفهم و حَبَاهُ بالتكريم، سبحانه، رفع شأن العلم فأقسم بالقلم، وامتنَّ على الإنسان فعلمه ما لم يكن يعلم.
رَأَيْـــــــــــــــــــــــتُ العِلــــــــــــــــمَ صاحِبـــــَهُ كَريــــــمٌ ** وَلَـــــــــــــــــــوْ ولدتْــــــــــــــــــهُ آبــــــــاءٌ لِئَـــــــــــــــامُ
وليـــــــــــــــــــــسَ يَـــــــــــــــــزالُ يرْفَعــتــتُهُ إلـــــى أَنْ ** يُعَظِّــــــــــــمَ أَمْــــــــــــــــرَهُ القَــــــــــــوْمُ الكِــــــــــــرامُ
ويتْبعُونَـــــــــــــــهُ في كُـــــــــــــــــــــــــلِّ حَـــــــــــــــالٍ ** كَراعــــــــــي الضَّـــــــــــــــــأْنِ تَتْبَعُـــهُ السَّــــــــــــــــوامُ
فلـــــــــــــــوْلا العِلْــــــمُ مَا سَعِــــــــــــــدَتْ رِجَـــــــــــالٌ ** وَلا عُــــــــــــرِفَ الحَــــــــــــــلالُ وَلا الحـــــــــــــــــــرامُ
العِلْمَ يُزكِّي صاحبه ويرفعُ قدرَهُ ويُشْعِرَهُ دوامَ الغنى بحاجة الناس إليه وإقبالهم عليه، والعالمُ الصالحُ العاملُ السائرُ على منهاجِ وطريق الهداية دُرَّةٌ يتيمةٌ في كل زمانٍ ومكانٍ، وخصوصاً هذه الأيام التي زادتْ فيها مرابِحُ الدُّنْيا المُقْبلة على المُلْصَقِينَ بالعلم والمُتَنَاهِبينَ أماكنَ العُلماءِ غَدْراً وأَشَراً. ويرحم الله الحَكَمِيَّ إذ يقول:
العِلْـــــــــــــــــــمُ أشْـــــــــــــرَفُ مَطْلــــــوبٍ وَطالِبُــــــــهُ ** للهِ أكْـــــــــــــرَمُ مَنْ يَمْشِـــــــــي عَلــــــــى قَـــــــــــــــــدَمِ
يا طالِــبَ العِلــــــــــــــــمِ لا تَبْـــــــــــــغِي بـــهِ بَــــــــدَلا ** فقَــــــــــدْ ظَفَـــــــــــــرْتَ ورَبِّ اللّــــــــــــــــَوْحِ والْقَلَــــــمِ
وقَـــــــــــدِّسِ العِلـــــــــــــــمَ واعْــترِفْ قَــدْرَ حُرْمَتــــــــــهِ ** فِي القــــــــــــــَوْلِ والفِعــــْلِ والآدابَ فَالْتَـــــــــــــــــــــــزِمِ
واجْـــــــــــــــهَدْ بِعَـــــــــزْمٍ قَوِيٍّ لا انْثِنَـــــــاءَ لَـــــــــــهُ ** لَوْ يَعْلَـــــــــــــــــمُ الْمـَرْءُ قـــــــَدْرَ العِلْــــــــــــــمِ لَمْ يَنَـــــمِ
والنيــــــــــةَ اجعـــــــــــلْ لوجـــــهِ اللهِ خالصــــــــــــــــةً ** إنَّ البنـــــــــــــــــــــــاءَ بدونِ الأصــــــــــــــــلِ لَــــــــمْ يَقُــــــــمِ
من فضائلِ العلمِ وبركاتِهِ قوله تعالى:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9]، وبالعلم يُعبَدُ الله على بصيرةٍ وتُقَى ويَقْضِي الناس في الدنيا مآربهم على ضياءٍ من أحكام الشرع الكريم، وبالعلمِ يُقيمون مراسيمَ حياتهم في زواجٍ أو تجارةٍ أو جيرةٍ أو شراكةٍ بحيث يعرف كلٌ منهم ماله وما عليه. وقبل هذا كله فالعلم هو طريق المعرفة للاعتقاد في رب الأرباب سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ…} [محمد: 19]، وهذا أعظم العلم وغايته القصوى. و منه قصة سيدنا موسى عليه السلام مع الخضر؛ قال الله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف 65: 66]، ولم يجعل كليمُ الله عليه السلام لنفسه في الطلب رُتْبَةً لمَّا جعل نفسه تابعاً وذلك لشرف العلم في نفسه، وأخبر الله تعالى أنه آتى كليمه موسى عليه السلام العلم قوة فقال: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [القصص: 14]، وزين الله تعالى به نبيه الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب عليهما السلام فقال الله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 22]، وقال تعالى عن سيدنا داوود وولده سليمان عليهما السلام :{وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} [النمل: 15]، وأخبر سبحانه في معرض المن بالفضل على نبيه الكريم سيدنا محمد ﷺ بقوله: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء من الآية 113]، ولهذا لم يؤمر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بطلب الزيادة في شيء إلا العلم، قال الله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].
ولفضل العلم في حياة الخلق نجد أنه لا يحمله إلا كرام الناس وأهل الأمانة فقد قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: «يحمِلُ هذا العِلمَ من كلِّ خلَفٍ عدولُه ينفونَ عنهُ تحريفَ الجاهِلينَ وانتحالَ المبطلينَ وتأويلَ الغالينَ» (الإمام أحمد 6 /39). ومن فضل العلم أنه هدايةٌ للصراط المستقيم الذي لا عوج فيه، وقد قال سيدنا إبراهيم لأبيه: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} [مريم: 43]. وأهل العلم هم أهل البصائر يرون ما يراه الناس، وقد قال أهل العلم في زمان قارون: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص: 80]. وأهل العلم أيضا هم أهل الخشية من الله تعالى قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28]، وهم كذلك أهل الشهادة مع مولاهم والملائكة الكرام، قال الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18]. وهم أيضاً أهل الخيرية كما قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: «مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ، وإنما أنَا قاسِمٌ واللهُ يُعْطِي، ولن تزالَ هذه الأمةُ قائمةً على أمرِ اللهِ لا يَضُرُّهم مَن خالفهم، حتى يأتيَ أمرُ اللهِ» (صحيح البخاري: 71). وطريق طلاب العلم هو طريق الجنة ونعيمها في الدنيا والآخرة، و مجالس العلم مظنة السكينة والرحمة وتنزلات الملائكة، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال: «…من سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طريقًا إلى الجنَّةِ، وما اجتمعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللَّهِ، يَتلونَ كتابَ اللَّهِ، ويَتدارسونَهُ بينَهُم، إلَّا حفَّتهمُ الملائِكَةُ، ونزَلت عليهمُ السَّكينةُ، وغشيتهمُ الرَّحمةُ، وذَكَرَهُمُ اللَّهُ فيمن عندَهُ، ومن أبطأَ بِهِ عملُهُ لم يُسرِعْ بِهِ نسبُهُ» (صحيح ابن ماجه: 185)، وقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: «الدُّنيا مَلعونةٌ، مَلعونٌ ما فيها ؛ إلَّا ذِكْرُ اللهِ و ما والاهُ، وعالِمًا ومُتعلِّمًا» (صحيح الترغيب:74). وجميع الخلق يشتركون في نعوتٍ متشابهة في الأصل والخلقة ويتبقى فضل العلماء رفعة لهم بين الناس كأنهم شامةٌ في جبين المجتمع على الدوام. يرفع الإمام الشافعي إلى سيدنا علي بن أبي طالبٍ رضي الله تعالى عنه قوله:
والنــــــــــــــــــاس من جهــــــــــــــة التمثيــــــــــــــل أكفـــاءُ ** أبــــــــــــــــــــــــــــــوهــم آدمٌ والأم حــــــــــــــــوَّاءُ
نفـــــــــــــــــــــــــــسٌ كنفــــــــــــــــــسٍ وأرواحٌ مشاكلـــــــةٌ ** وأعظـــــمٌ خلقـــــــــــــت فيهـــــــــــــــم وأعضــــــاءُ
فإن يكـــــــــــــــن لهـــــــــــــم من أصلهــــم نســـــــــــــــــبٌ ** يفاخـــــــــرون به فالطيــــــــــــــــــــــــن والمــــــــاءُ
ما الفضــــــــــــــــــــــــــــــــــــل إلا لأهــــــــــل العلم أنهــــــم ** علـــى الهــــــــــــــــــــــدى لمـــــــن استهــــدى أدلاءُ
وحســـــــــــــــــتب كل امــــرئٍ ما كان يحسنــــــــــــــــــــــه ** والجاهلـــــــــــــون لأهــــــــل العلـــــــــــــم أعـــــداءُ
ففز بعلـــــمٍ تعـــــــــــــــش حيَّــــــــــــاً بــــــــــــــه أبـــــــــداً ** الناس موتـــــــــــــــــى وأهـــــــــل العلــــــــم أحــيـاءُ
وتنال بركاتُ العلم أهله حتى بعد الموت، فقد قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عملُه إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقةٍ جاريةٍ.أو علمٍ ينتفعُ به أو ولدٍ صالحٍ يدعو له.» (صحيح مسلم).
فالعلم هو ما يخرج الناس من الظلمات إلى النور، وما جاء الأنبياء والرسل إلا معلمين؛ ومن ألقاب النبي الكريم ﷺ فينا “المعلم”و “الهادي”. وأكرم بقول أحمد شوقي:
قم للمعلم وفِّهِ التبجيلا ♦♦♦ كاد المعلم أن يكون رسولا