Çarşamba, Temmuz 2, 2025

الأنامل الفلسطينية الذهبية

Hanin Kahil (حنين كحيل)

Paylaş

لطالما شكلت المرأة بكينونتها أحد أهم مصادر الجمال التي تضاف إلى الطبيعة. وقد تتصدر المرأة الأدوار؛ لتصبح هي المبدعة والمنشئة للفن، فكأنها لا تكتفي بأن تكون مصدرًا جماليًا، بل أصبحت صانعة له، ولقد أبدعت المرأة بصفة عامة في مجالات الفن المختلفة، ومنها: مجال الكتابة الإبداعية في أوجهها المختلفة في الشعر والنثر أو الرسم أو الموسيقى وغيرها من الفنون الجميلة. كما ولم يقتصر إبداع المرأة الفلسطينية على ذلك، بل تعدى إلى إيجادها نوعًا خاصًا من الفن يسمى بالتطريز، فعبر أناملها وإبرتها وخيوطها التي تطرزها على قطع القماش المختلفة تصنع أجمل الزخارف والأشكال والرسومات الفنية، وتعود بدايات هذا الفن إلى عهد الكنعانيين حيث بدأ باستخدام خيوط الحرير والذهب والفضة فيه.

وهذا هو الفن الذي تميزت به المرأة الفلسطينية بصفة خاصة فحولت الخيال إلى واقع ملموس عبر أناملها وإبرتها وخيطها وقماشها، لتروي لنا من خلاله قصصًا مختلفة تطرزها بمهارة تامة، وبألوانٍ مختلفة فهي تؤثر ألوانًا عن أخرى حسب تذوقها الفني وتناسق الألوان في الأشكال المطرزة، فقد اختصت بهذا الفن وتذوقته، وبرعت فيه وأتقنته، فكانت تلجأ إلى الألوان المختلفة التي ترى أنها لازمة ومُتّسِقَة لتطريز هذا الشكل أو ذاك؛ لتحقيق تكامله وانسجامه، مما جعل هذا الفن فنًا مدهشًا بالغ التأثير في نفوس الناظرين، وقد أدى هذا الإبداع المميز للمرأة الفلسطينية إلى جعل هذا الفن موضوعًا شيقًا للدراسة لدى كثير من الباحثين المهتمين بالفنون الجميلة والقضية الفلسطينية، من العرب وغيرهم، حتى يقفوا على أسباب هذا الإبداع في التشكيل الجمالي لهذا الفن عند المرأة الفلسطينية.

لهذا الفن مكانته في المجتمع الفلسطيني، فهو جزء من التراث الشعبي، كما ويبدو عليه طابع التستر والغطاء شبه الكامل لجسد المرأة الذي تبلور بشكل كلي في العصر الإسلامي، وللأثواب الفلسطينية خصائص مشتركة، ولكن الاختلاف بين الأثواب يتحدد في النقوش والألوان، وقد اشتقت المرأة بعض نقوشها من الطبيعة المحيطة بها، مثل: أشكال النباتات التي اشتهرت بها المدينة أو القرية، فلكل منطقة أو مدينة رسومات ونقوش وألوان تتميز بها عن المدينة أو القرية الأخرى، حتى أنه كان يُستدل على مدن
وقرى النساء من خلال أثوابهن، فمثلاً امتاز ثوب مدينة القدس بوجود نقشات الزهور والخيوط المذهبة وأشكال هندسية للقبب الكنعانية، وبمرور الأزمان أثناء الحكم الصليبي نجد عليه طريقة التصليب، وبمجيء الإسلام والفتوحات الإسلامية نقش عليه آيات من القرآن الكريم، وأصبح فيما بعد الأقرب إلى الطراز التركي في فترة الحكم العثماني. إنه الإرث الحضاري الذي ظل مستمرًا باختلاف العصور، واستوعب التغيرات والتعديلات التي أضيفت عليه، وامتاز ثوب يافا بأشجار السرو، كما عرفت رام الله بنقش النخلة. ويعد التطريز فلكلورًا وموروثًا ثقافيًا تتميز به الهوية الفلسطينية للعودة إلى جذورها الأولى منذ كان الفلسطينيون يعيشون في مدنهم وقراهم الأصلية التي هُجِروا منها بسبب الاحتلال الإسرائيلي.

عزيزي القارئ، لقد استطاعت المرأة بهذا الفن الذي استأثرت به وحدها أن تعبر عن واقعها وآلامها وأحلامها وآمالها بلوحات فنية يمكن تأويلها من خلال تحليل النقوش والأشكال المطرزة وفهم ما ترمز إليه.

ويتبادر إلى القارئ كيف يتم التطريز بصورته الواقعية الحسية، ويمكن القول إن هذا الأمر ليس سهلًا أو بسيطًا، فهو يتطلب دقة عالية ومهارة متناهية في تنظيم الخطوط وتنسيقها بواسطة الإبرة بطريقة معينة قد تعتمد أحيانًا على القياس والعدد لبعض الزخارف والنقوش التي تنسج بواسطة (الغرز) ومفردها (غرزة) حتى يتبدى للناظر الانسجام والتلاؤم التام بين الخيوط وصورتها الفنية على القماش.

وكانت النساء ترتدين الأثواب المطرزة قديمًا بلونيها الأبيض والأسود، ولكل ثوب مناسبته الخاصة به، كما أن هناك معاييرَ أخرى، مثل: سن المرأة، فالنساء الكبيرات في السن تختلف أثوابهن عن الشابّات، وأيضًا إذا كانت متزوجة أم لا، ويبدو أن لباس يوم الزفاف كان يجب أن يكون مطرزًا بصورة مكثفة، وبألوان زاهية لإظهار الزينة التي تدل على الفرح والسرور، أما الثوب اليومي ولونه الأسود زخرفاته قليلة تناسب مهمات الحياة اليومية، فازدهرت فلسطين قديمًا بالزراعة، وكانت المرأة تساعد زوجها في الفلاحة وهي ترتدي الثوب أو ما يعرف بــ: ( الثوب الفلاحي )، فكثرة الزخارف لا تلائم هذا العمل كما أن قلتها على الثوب هو دليل على انشغال المرأة بالزراعة؛ لأن التطريز يأخذ وقتًا طويلًا في عمله، كما تقل الزخارف والنقوش وبعض الألوان الزاهية على أثواب النساء الكبيرات في السن، وتكثر بشكل ملحوظ على أثواب الشابات المقبلات على الزواج تعبيرًا منهن لإظهار الزينة المحببة لهن، ولاسيما أنهن كن لا يتزين كثيرًا، فيقل استخدامهن لأدوات الزينة وفقًا لضوابط المجمع الفلسطيني آنذاك، ولا يقتصر التطريز على ثوب الشابات بل امتد للفتيات الصغار بنقوش قليلة يناسب عمرهن الصغير، كما يختلف ثوب الأرملة والمطلقة فلا يكون تطريزه كثيفًا، وعادة ما يتم استخدام اللون الأزرق في التطريز لهن، ونلاحظ أن المرأة قد عبرت عن الألوان المطرزة وفقًا لحالتها النفسية الشعورية، وهذا ما نجده أيضًا في ثوب القدس الذي تغيرت ألوانه الزاهية بشكل ملحوظ تعبيرًا عن الحزن والأسى الذي أصاب قلوب النساء لأجل مدينة القدس من أثر النكبة الفلسطينية عام 1948م، كما وشكل الثوب الفلسطيني أداة لرفض قرار الاحتلال الإسرائيلي عام 1987م حينما منع الاحتلال الإسرائيلي رفع علم فلسطين، فقامت النساء بتطريزه على أثوابهن وخرجن به تعبيرًا عن التمرد والثورة، فظهرت روح المقاومة الفلسطينية، واتسع مفهوم الثوب المطرز ليكون رمزًا وطنيًا في إثبات أحقية الأرض ومواجهة المحتل.

ولا زالت المرأة الفلسطينية ترتدي الأثواب المطرزة في المناسبات الوطنية والاجتماعية، ويقيم الفلسطينيون مهرجانًا للزي الفلسطيني في 25 تموز من كل عام، حيث ترتدي النساء الأثواب المطرزة من جميع مناطق فلسطين الأمر الذي يعكس بدوره أصالة التراث والتمسك بالمورث الوطني الفلسطيني.

وتجدر الإشارة إلى أن مثل هذه الأثواب غالية الثمن فيتطلب إنجازها وتجهيزها الكثير من الوقت والجهد، وظهرت لنا في عصرنا الحالي بعض الأثواب العصرية التي زُينت بالقليل من النقوش لتضفي عليها صبغة جمالية مميزة كما ظهرت لنا بعض المطرزات من الحليّ وديكورات المنزل والأثاث مثل: القلائد والخواتم والحقائب، وبعض وديكورات المنزل والأثاث مثل: ساعات الحائط وبعض التحف وصواني تقديم الضيافة.

وفي النهاية يمكنني القول إن المرأة الفلسطينية قد شكلت تحديًا لواقعها عبر الفن ليكون دليلاً واضحًا على حفظ الحقوق تتوارثه الأجيال جيلًا بعد جيل.

İlginizi Çekebilir

İlginizi Çekebilir