Çarşamba, Haziran 11, 2025

أمانة المعلومة

Khadija RAMİL (خديجة رميل)

Paylaş

تقول العرب أن “العلم نور، والجهل عار.”، أي أن العلم رفعةٌ ومَقام، والجهل دَرَكٌ ومُقام. وذلك أن العلم يرقى بالنفس والروح ويعود على البدن بالنفع، والجهلُ يُسَفه النفس ويطيح بالمرءِ في شِرَاكِ الضَلالة ويعود عليه بالضرر الجسيم.

ولكي يكون العلم نوراً وجب أن يستوفي شروطا أولها وأساسها الصحة. فكل معلوم لدى الإنسان قد حازه عن طريق التعلم طلبا له، أوعن طريق السمع أو البصرِ عَرَضاً، وسواء كان هذا العلم خبرا أو علما شرعيا أو علما من علوم اللغة أو الأدب أو واحدا من العلوم البشرية  أو ما يلحق ذلك من أبواب العلم وفروعه المختلفة، فإنه لا يسمى علماً إلا إذا كانت طرقه واضحة لا لُبسَ فيها، ومصادره موثوقة غيرَ مشكوكٍ فيها.

وبصدد مقولتهم أن الجهل عار، فإن الكثير مما يتم إلحاقه بالعلم دون وجهِ حق، سواء عن عمد أو عن غير قصد، قد يكون عارا عليهم وعلى من يقبل منهم ذلك دون الرجوع إلى أصله ومصدره. ولكن الوصول إلى اليقين في الكثير من العلوم من الصعوبة بمكان، خصوصا إذا كان المتلقي لا يملك من التراكم العلمي ما يجعله قادرا على البحث في أمهات الكتب والتدقيق في مصدر المعلومة.

وقد نبه الإسلام إلى هذا الباب وحذر منه، ومن ذلك قول الله عز وجل في كتابه العزيز:

(وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) (الإسراء :36)

فهو سبحانه إذ ينهى نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم عن التلفظ بما لا يعلمه يقينا  أو اتباع ما ليس له به علم، يأمر الإنسان مطلقا بتحري الصدق والحق والتدبر والتفكر قبل الكلام، لأن الكلمة سر من أسرار الله، وأداتها اللسان الذي يتأثر بتقلبات القلب، فإذا نُطقت الكلمة كان لها أثر ولا بد، ولذلك فإن باقي الجوارح مسؤولة عنها، فالإنسان إنما يتلقى الأخبار بسمعه وبصره، ثم يكون قلبه محل النية من تصديق أو تكذيب أو إصلاح أو إفساد أو طمأنينة أو اضطراب. والكلمة سلاح ذو حدين، فإن صلحت وكانت حقا نفعت، وإن فسدت وكانت كذبا أفسدت ولا بد.

وقوله:

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات: 6)

فليس كل خبر صحيح، وليس كل ما نسمعه حق، وقد قال نبينا الكريم  صلى الله عليه وسلم في هذا الباب فيما رُوِيَ عن أبي هريرة رضي الله عنه: “كفى بالمرء كَذِباً أن يُحَدث بكل ما سَمِع.” (فتح المغيث: 2/347)

فالمعلومة الخاطئة المُضَللة قد تكون سببا في فساد عظيم وإزهاق للأرواح بغير حق إن هي صُدقت، ولذلك يأمر الله من استقر الإيمان في قلبه أن يتبين ويتحقق قبل قبول أي خبر يأتيه، ولا سيما إن كان الخبر من غير الثقات.

وقال سبحانه في موضع آخر:وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (النساء: 83)

وهو جل وعلا في هذه الآية يلفت انتباه الناس إلى أن كل أمر وخبر من أمور العامة يجب أن يمر أولا عن طريق خبراء يستنبطون الحقائق بدقة ويعرفون كيف يتستيقنون من صحته. وإلا لشاعت المعلومات الزائفة والإشاعات وفُت في عَضُدِ المسلمين.

وقال عز مِن قائل وهو يبرئ أمنا عائشة حين وقع الناس في عرضها: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ “ )النور :15(

فنهى الناس عن الخوض فيما لا علم لهم به، وحذرهم من استصغار فعل اللسان. فهذا رسول الله، وخاتم النبيين، وأحب الخلق إلى الله، قد امتُحن أشد الامتحان في حادثة الإفك، وخاض الناس، إلا قليل منهم، في عِرضِ زوجه رضي الله عنها وهي من أشرف النساء على وجه الأرض. ولولا الوحي المنزل الذي برأها مما نُشِرَ بين الناس زورا وبهتانا لماتت كمدا. فحري بنا نحن اليوم وقد انقطع الوحي أن نمسك ألسنتنا عن أعراض الناس وعما لا نعلمه، فلا نتكلم بما يغضب الله ونحفظ الأمانة ولا نكون أداة في يد الشيطان يهتك بعضنا ستر بعض، ولا يكذب بعضنا على بعض ولو كان ذلك بحسن نية.

وقد قال الإمام الشافعي في هذا الباب أقوالا كثيرة، منها: “إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة” (طبقات الشافعي: 63)، فالتحقق والتمحيص والبحث العميق هو حجر الأساس في كل العلوم، لأن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، وفي الاجتماع أخذ وعطاء في الكلام والفكر، و كما أن في الاحتكاك الفكري بابا من أبواب الخير والزدهار ففيه  كذلك باب كبير من أبواب مجانبة الصواب.

وكما يفسد الكذب العلاقات الاجتماعية ويزور مجرى الحقيقة في أذهان الناس وحيواتهم، فهو كذلك يحيل بين الفهم الصحيح للكون والعالم والنفس إذا كان في العلوم المعروفة، ووباله شديد ومستمر إذا صُدق.  فالعلم معرض للشائعات أكثر من المجتمع نفسه، والتنقيح فيه لا يقل أهمية عن التنقيح في الأمور الاجتماعية، فالكلمة أمانة معلقة برقبة المتكلم، و العلم أمانة لا يصح أخذها إلا من أيدي الثقات. فهل يأخذ العاقل أمانة وهو لا يعرف صاحبها؟

İlginizi Çekebilir

İlginizi Çekebilir